صياغةٌ نظريةٌ وتطبيقية للمنهج الحضاري في الأدب ممهَّدة بتأسيس نظري لخصائص الحضارة العربية الإسلامية د. بتول جندية
تآزر الحضاري والجمالي في الشعر العربي القديم ونظامه البنائي
تهدف الدراسة إلى تأسيس النظرية الأدبية العربية على أسس صحيحة مستمدة من خصائص الحضارة التي أنتجت الأدب، ومنسجمة مع المكونات القيمية والمعرفية للأمة، ومستجيبة لطبيعة اللغة العربية وإمكانات الإبداع غير المحدودة فيها.
النظرية الأدبية بهذا التصور كفيلة بصياغة الشخصية الأدبية العربية المعاصرة صياغة متزنة معتزة بأصولها، وقادرة على التجديد والمثاقفة بما يحقق خصوصيتها الثقافية والأدبية.
تقدم الدراسة صياغة نظرية للمنهج الحضاري، وهو منهج مقترح لصياغة النظرية الأدبية انطلاقًا من المعطيات الحضارية والشخصية القومية والمعرفية التي ينتمي إليها الأدب.
تحاول الدراسة أن تطبق الأسس المقترحة للمنهج الحضاري على دراسة قضية الوظيفة في الشعر العربي القديم مبرزة العلاقة بين الشكل والمضمون والوسيلة والغاية وأثر ذلك في تشكل خصائص هذا الشعر وبنيته وما يسمى بعمود الشعر.
تقدم الدراسة صياغة نظرية للمنهج الحضاري، وهو منهج مقترح لصياغة النظرية الأدبية انطلاقًا من المعطيات الحضارية والشخصية القومية والمعرفية التي ينتمي إليها الأدب.
تحاول الدراسة أن تطبق الأسس المقترحة للمنهج الحضاري على دراسة قضية الوظيفة في الشعر العربي القديم مبرزة العلاقة بين الشكل والمضمون والوسيلة والغاية وأثر ذلك في تشكل خصائص هذا الشعر وبنيته وما يسمى بعمود الشعر.
المقدمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛
فإنه قد كُتب علينا من النهاية أن نبدأ الحكاية، لا حكاية هذا البحث فحسب، وإنما حكاية هذه الأمة، وتاريخ حضارتها.. وإذا كنا في هذا الزمن نعيش المحنة، ونمثل الانحطاط، فإن في داخل كل واحد منا، بل في أصل عنصره، تلك الجذوة الكامنة التي منها نبعت حضارتنا وسمت وتألقت، ولذلك فإن كل كلام على الماضي هو - من وجهة نظري - تنقيب عن تلك الجذوة المتوقّدة، واستلهام منها، ونفخة في رماد النفس العربية المعاصرة التي أرهقها التخبّط، وجرها الخذلان إلى قاع اليأس والقنوط..!
ليس الماضي تراثًا ميتًا أو أبجدية منقرضة، إنه وجودنا نفسه.. إنه كتلة عضوية امتدادها الحاضر، وآفاقها المستقبل، وليس النبش وراء الماضي بحثًا تاريخيًا وصفيًا حياديًا صرفًا، إنه بحث في الذات العربية المعاصرة، واستخلاص لعوامل نهضتها القديمة الغافية!
إن التسليم بهذه المقدمات يربط النشاط التأصيلي بالواقع المعاصر، وبمشروع النهضة نفسه، ويجعلهما غاية حتمية له. وفي المقابل فإن لفهم الحاضر نصيبًا وافرًا في إمكان الولوج إلى العوالم السحرية للماضي، والقدرة على فكّ رموزه، وتبديد غشاوة المألوفات والمسلمات عنه، بما أن الحاضر هو نتاج الماضي، وأثر معايَن لرجومه، وكذلك لأن العقلَ العربي المعاصر المقصودَ بهذا الخطاب قد صيغ على إملاءات الماضي، وحكمته تصوراته وشروطه، وإذا كانت معطيات الواقع تباين الماضي أو توافقه قليلاً أو كثيرًا، فيجب مراعاة هذا التباين وذاك التوافق، واستغلالهما معًا لتفادي الحواجز التي تمنع التواصل بالماضي ليصير قوة ذاتية محرِّكة لا تعيق..
وقد نجم اختيار إشكالية "تآزر الحضاري والجمالي في وظيفة الشعر العربي القديم ونظامه البنائي" موضوعًا لهذه الدراسة، عن وعي هذا النمط للعلاقة بين الماضي والحاضر، والإيمان بضرورة تحققها. فإنه من اليسير رد المأزق النقدي والإبداعي الذي يراوح فيه الأدب العربي المعاصر إلى ذلك الفهم المشوه للماضي، والتجافي الحادّ معه، وما يترتّب على ذلك من ضياع الهوية وغربة الذات، فالماضي يحمل في رحمه العناصر التي صاغت في العمق العقل العربي ورسمت ذوقه الجمالي والأدبي، وعلى الرغم من مظاهر التغيير التي طرأت على هذا العقل، وانحرفت بالذوق الجمالي عن اعتداله، فإن مأزق المعرفة والأدب نفسه شاهد على تطلع النفس العربية إلى شيء ما غامض وحميم يفرض وجوده في لاشعورها، ويؤكد ذاته في قلق عصابي لا تفهم أسبابه ويستعصي علاجه. هذه المعاني وجّهتنا إلى ضرورة مقاربة الماضي بأدوات يفهمها العقل العربي المعاصر ويقبلها، من دون السماح لها بأن تدنِّس أصالة الماضي أو أن تغير من هويته، وهدفنا من وراء ذلك كله أن نمحّص صفات النفس العربية وملامحها الذوقية، وأن نزيح العقبات أمام تلك النفس لتعرف ذاتها، وتحدد أهدافها..
صحيح أن هذه الطموحات كبيرة على بحث يعالج إشكالية أدبية محددة لا تقتطع من النشاط الإنساني إلا الجزء اليسير، بيد أنا قد انتهجنا في هذا البحث نهجًا أملنا من ورائه أن نشق إلى هذه الأهداف طريقًا تبلّغنا إياها أو تدنينا منها على أقل تقدير.. ولذلك فلا يتوقع القارئ أن يجد في هذا البحث إسقاطات مباشرة على الواقع المعاصر، فإن هذه المهمة متروكة له يعقد الربط حيث شاء، وأنى وجد الصلة أو مبررات المقارنة ودواعي الافتراق، على أن نقدم دراسة مستقلة لإشكالية الوظيفة في الخطاب الشعري المعاصر في بحث لاحق إن شاء الله.
منذ بواكير حياتي العلمية كانت تستولي على خاطري تساؤلات لم أجد لها جوابًا، وكنت كلما أوغلت في المعرفة وازددت اطلاعًا تفاقمت حيرتي وتعاظم تطلعي إلى اليقين، إذ إن الكتب النقدية المعاصرة تلجّ بآراء كثيرة مضطربة، لا يمكن أن يجمعها إلا أنها - في جلها - تنطلق من تصورات محددة سلفًا، وينبغي على المادة القديمة التراثية أن تثبتها وتؤيدها.. غير أن نفسًا طموحًا في داخلي، وحدسًا جامحًا، فرضا عليّ أن أبحث عن تلك الإجابات منـزّهة عن الإكراه والتعمّل، لأصل إلى الحقيقة المُرضية، وإلا فإلى ما يكون قادرًا على الصمود أمام عقلي الناقد، أو كفيلاً بزرع سكينة اليقين في نفسي..
ويمكن إيجاز هذه التساؤلات في سؤالين كبيرين، هما: لماذا هذا التجافي الحاد بين مقولات قدمائنا عن الشعر، وصورته في النقد العربي المعاصر؟! وكيف ينسجم أن تكون للشعر العربي تلك المنزلة في الحضارة الإسلامية ذات الطابع الأخلاقي، مع كل ما يقال عن نزوعه الشكلاني وتكسب شعرائه ومجون مضامينه؟!! ومع خصوصية هذين السؤالين وارتباطهما بحقل معرفي محدد هو الأدب، فإن الكلام عليهما يفجّر سلسلة متتابعة من التساؤلات غير المحدودة، تبدأ من ذات الحضارة ومفهومها، وقد تنتهي عند أصغر رمز من رموزها، أو أتفه عوائد أبنائها..
والحقيقة أني عندما شرعت في كتابة هذا البحث لم يكن في ذهني تصور واضح للإجابة عن تلك التساؤلات، أو بالأحرى، كانت آرائي تميل مع التيار المعاصر السائد، الذي يحاول أن يحجِّم الماضي بمفاهيم لم تكن تحكم الماضي على الإطلاق، في الفن أو الفكر..، بيد أن التوغل - لا أقول في خفايا وسراديب التراث العربي الإسلامي؛ لأن القضايا فيه تتخذ طابع التواتر، وتغلب عليها صبغة الظواهر، بما لها من دعم معياري آسر - أقول إن التوغل في مطالعة التراث الفكري والأدبي، ومحاورته الحميمة، والتماس عوامل القرب والفهم، والسعي الحثيث للتواصل مع الروح الأبية المتمنِّعة، قد ردّني إلى شيء ما كنت أحلم أن أظفر به قطّ، لقد أسلمني إلى مفتاح الشخصية الحضارية العربية المسلمة الذي يستأثر بالأسرار كلها، ويشرح العلل جميعها، ويفسر الظواهر؛ بريئها ومتّهمها.. لاحقت الخيوط، وترسّمت العلامات، وكان بعضها يهدي إلى بعض طواعية، وكان العجب يخامرني وأنا أرقب إسراع الجزئيات في الانضواء مستسلمة لسلطان الكليات التي انتظمت في الفصل الأول، في التاريخ والفن والعلوم واللغة والدين والسياسة والاجتماع، إلى أصغر عنصر أسلوبي في القصيدة.. وغدا السطح المنظور المليء بالتجاعيد، وعجمة النصوص وضجيجها، كل ذلك غدا - في نظري - ملامح حيوية وحركة تحاكي الحياة في عنفوانها وتشعب عناصرها، وقادني في المآل إلى وجهة نظر محددة في الشعر العربي ووظيفته..
ولذلك فإن هذا البحث لا يقصد بتاتًا إلى التبرير والتسويغ، لا لإشكالية البحث الأساسية، ولا لأي من القضايا المعروضة في ثناياه، وإنما جلّ مرماه أن يبحث عن العلل والأسباب المقنِعة التي تكون قادرة على الصمود أمام النقد وحجج الجدل والخصومة، ويرجو أن يلقى من القبول ما يوفّر له إمكانية الاستمرار وجدارة المتابعة.
يعالج هذا البحث إشكالية الوظيفة في الخطاب الشعري العربي القديم على ضوء "المنهج الحضاري"، منطلقًا من محاولة إرساء أسس المنهج الحضاري وركائزه أولاً، ومن ثم السعي إلى ضبط حدود مفهوم الشعر العربي ثانيًا، ليخلص من ذلك إلى رصد الوظائف التي اطّلع بها الشعر في الحضارة العربية الإسلامية ثالثًا، إذ إن طبيعة الشيء تحدد وظيفته.
وقد استوى هذا البحث في شكله النهائي على مدخل وثلاثة فصول، أما المدخل فقد تحددت مهمته في تقديم تصور سريع ومكثّف للواقع النقدي العربي المعاصر، ومحاولة اكتشاف الملامح العامة في طريقة تعامله مع الماضي، التراث الأدبي منه خاصة. وبناء على هذه المعطيات، وانطلاقًا من مقولة ضرورة تغيير طريقتنا في حلّ المشكلات إذا ثبت لنا أنها تخفق دائمًـا، فقد حمل المدخل عبء اقتراح منهج يكون قادرًا على استيعاب الظاهرة الأدبية، ووفيًا بخصوبة العناصر التي تتدخل في تكوينها، من حيث المنطلقات النظرية والأدوات المنهجية، على اعتبار أن الظاهرة الأدبية ظاهرة حضارية تحمل خصوصية الأمة التي تنتمي إليها، وتخضع لقوانينها، وتنقاد لنظامها الداخلي والخارجي.
وفي الفصل الأول يباشر البحث الخطوة الأولى في سبيل تمثّل المنهج الحضاري المقترح في المدخل، ولما كان السبيل إلى فهم الظاهرة الأدبية لا يسلس ما لم نفهم الحضارة التي أبدعتها، فإن الغاية هنا أن نحاول أن نتلمس الصفات النفسية والخصائص الكلية للحضارة العربية الإسلامية، وأن نستخلص الروح الذي نجمت عنه، والكليات التي تفي باستيعاب كامل الفروع والرموز. وبما أن الأدب هو نشاط معرفي أساسًا، وبما أن المعرفة هي المحدِّد الأول للهوية الثقافية والأدبية، فكان لزامًا أن يتمّ توصيف المعرفة العربية الإسلامية، وأن يُنظر في أدواتها ومصادرها ومنطق حركتها، وأن تستنبط ملامحها الخفية التي سنجد بصماتها في بنية الشعر العربي اللغوية والفكرية وفي تقنيته الفنية. ويعتبر هذا الفصل الحامل النظري الذي تقوم عليه الدراسة النقدية في الفصلين التاليين..
ينتقل الكلام في الفصل الثاني إلى خصوصية العالم الأدبي والشعري، ويدخل به تحديًا حقيقيًا يتمثل في بناء تصور لمفهوم الشعر العربي استنادًا إلى المعطيات اللغوية والنقدية والتاريخية، وبما ينسجم مع الأصول الحضارية والمعرفية التي أقرّها الفصل الأول، أو بما لا يخرج عنها على أقلّ تقدير. ولذلك فقد جنح البحث إلى محاور معينة يستعين بها في استخلاص مفهوم الشعر؛ كالكلام، والبلاغة والبيان، وملاحقة جذور المفهوم اللغوية، وملاحظة حركة الشعر التاريخية، مع التذكير بأن الدراسة الحضارية تكشّفت أساسًا على أضواء البحث الأدبي.
إن تكوين تصوّر واضح لمفهوم الشعر العربي يسمح بالانتقال لمعالجة القضية الجوهرية لهذا البحث، ألا وهي وظيفة الشعر العربي أو وظائفه على وجه الدقة، بيد أن قضية الوظيفة تحمل إشكالياتها الخاصة، فكان من الضروري ضبط حدود مفهوم الوظيفة، ونخله من المفاهيم التي تنتمي إلى ثقافات وآداب أخرى، وتوضيح بعض الاعتبارات الهامة، أقصد بها: المستوى الشفوي للخطاب، وآلية فصل الشعر عن الشاعر، ومستويات توظيف النصّ الشعري.
وعند هذه المرحلة يمتلك البحث الأرضية الصلبة لتفصيل الكلام على وظائف الشعر العربي في الحضارة العربية الإسلامية، وكان المنطلق تصنيف هذه الوظائف تصنيفًا معينًا يضمن الإلمام بها من جوانبها المختلفة، الجوهرية والثانوية، الجماعية والفردية، النفعية والذوقية، الخارجية والداخلية..، وذلك على النحو التالي: الوظيفة الوجودية، والوظيفة المعرفية والأخلاقية، والوظيفة النفسية، والوظيفة المادية، والوظيفة الجمالية.
وفي الفصل الثالث يحاول البحث أن يتلمس أثر وظائف الشعر المتنوعة في البنية الشعرية، أو هو سعي لاستنباط البعد الوظيفي من خلال معطيات بنائية للنص الشعري العربي، في نظامه اللغوي، وقواعده الفنية والإيقاعية، الداخلية والخارجية، وقد توسل إلى ذلك بعدة ملامح أساسية تغلب على النمط الشعري العربي، وكانت موضوع جدل في الفكر النقدي المعاصر، أريد بها: موسيقى الشعر(الوزن والتقفية)، والإيجاز، والصدق والكذب، والحقيقة والخيال، والوضوح والحسّ والذهن، وأخيرًا عمود الشعر.
وقد ذُيِّل البحث بخاتمة توجز نتائجه، وبفهرس للمصادر والمراجع التي استمدّ منها مادته الوثائقية، أو استعان بمحتوياتها الفكرية والنقدية.
إذًا، فالبحث يعترف بداية بأنه لم يتبنّ منهجًا نقديًا جاهزًا، وإنما بنى منظومته المعرفية الخاصة، وقدّم بين بيدي الدرس توضيحًا بمفاهيمه الفكرية وأسسه النظرية، واستعان بالأصول التي أقرها للمنهج الحضاري واتخذها معيارًا له. ولكن ذلك لا يلغي استعانته ببعض أدوات المناهج الشائعة على اعتبار أن الحضارة هي خلاصة لعناصر الوجود اللامتناهية التي استقلّت المذاهب النقدية ببعضها، وجعلتها محور جهدها الدرسي.
وينطلق البحث من الوسطية والاعتدال في بسط القضايا وتبني المفاهيم وبناء العلاقة بين الذات والموضوع والعقل والحدس، ويؤمن بنسبية المعرفة البشرية، سواء في القبول والرفض للفكر الآخر، أو في الحكم و الاقتراح، وقد حاول جاهدًا الانعتاق من أسر أحادية الرؤيا أو الاجتهاد، وجعل دأبه ملاحظة الظواهر لا الأحداث، ولكنه مع ذلك يوقن أن الاطراد أو التواتر الكثيف قد يخفي في إهابه شيئًا من حقيقة مواربة لا تسلم نفسها طواعية، فقد تكون المخالفة والمغايرة للقانون والنظام مفتاح اليقين، وقد يكون التشابه والصيغ فخًا.
وقد اتخذت الدراسة من قيم الحضارة العربية الإسلامية معيارًا تحتكم إليه في تحديد المفاهيم ومعالجة الموضوعات، وحاولت البعد ما أمكن عن الأحكام الذاتية المطلقة، والتوقف عند حدود التوصيف في بعض السياقات إلا ما تفرضه ضرورة المعالجة ومنطقية التناول. أقول ذلك لتبديد الظن بأن كثيرًا مما في جعبة هذا البحث مسوق برغبة انفعالية عصابية للدفاع عن الشعر العربي، وتلمّس مكان مشرّف له في تراث الحضارة الإسلامية بعيداً عن نظرات الاتهام أو الإحجام أو الريب على أقل تقدير. وبناء على ذلك، أقيمت معمارية البحث المعرفية والمنهجية على أساس التواصل المباشر مع النصوص والحوار الحي مع المصادر القديمة، لتفصح عن دعواها وتبثّ همومها بنفسها، ونأيًا عن إلزامات الرؤى الذاتية والغيرية.
وبالنظر إلى أن البحث يقدم فرضيات منهجية وتطبيقية يعتبرها جديدة على المشروع النقدي العربي إلى حدّ ما، فإن اعتماده على المراجع كان ثانويًا، بيد أن بعض المراجع المعاصرة قد أسهمت إسهامًا جوهريًا في صياغته وشكلت دفعًا قويًا لرؤاه؛ كموسوعة "تدهور الحضارة الغربية" لإشبنجلر - على صعيد المنهج، وكتاب "نظرية المعرفة بين القرآن والفلسفة" لراجح عبد الحميد الكردي - في مجال الفلسفة النظرية ونظرية المعرفة والقيم الكلية، ومؤلفات مصطفى ناصف النقدية - في إطار نظرية الأدب ومفهوم الشعر ومقومات الشعرية العربية. وإنما جاء هذا الإقرار من قبيل حفظ الحقوق لأصحابها، والتسليم بحوار الثقافات وتكامل الاجتهادات وتضامّها تآزرًا في سبيل الشمولية، وتجاوزًا لخاصية النقص والتقصير التي تسيطر على الجبلة الإنسانية. كما حرص البحث على التنوع لا الاستقصاء في متابعة المصادر والمراجع إذ غالبًا ما يكرر بعضها بعضًا ويكون المتأخر منها مستنسَخًا عن المتقدم. وهربًا من الضخامة والسطحية حرص البحث على الإيجاز والتكثيف والاتساع العمودي لا الأفقي إلا بما يستجلي حقيقة ما، أو يمتحن صحة بعض الفرضيات أو المسلمات الأساسية.
إن المنهج الحضاري المقترح قد فرض آلية معينة في قراءة النصوص والمرويات والاحتكام إليها والبناء عليها، فأحيانًا قد تولي الدراسة بالعناية خبرًا ضعيفًا أو مفتعلاً إن كان في ذاته يوحي بظاهرة أو بتوتر في العمق كان السبب في وضعه أو اختراعه، ولم يُشترط معيار الجودة الفنية في النصوص الشعرية المنتقاة ما اقتضت ذلك طبيعة الفكرة التي يكون السياق بصدد إثباتها أو نفيها، إذ إن اللذة والمنفعة قطبان يتعاوران النمط الشعري العربي وقد يخلص لأحدهما دون الآخر؛ فيغلب الشكلُ المضمونَ في سياقات معينة، أو المضمونُ الشكلَ، أو يتم الترجيح بينهما ليكون الشكل عين المضمون.
الفهرس:
المقدمة: 5
المدخـل (وقفات منهجية) 13
أولاً - واقع الدراسات الأدبية العربية المعاصرة: 16
1- أثر الاستشراق: 17
2- إرغام التراث: 19
3- ضعف التواصل مع التراث: 20
4- تقنية العبث بالمصطلحات والنصوص: 21
5- غياب التصور الكلي: 21
ثانيًا - المجال المعرفي للنقد والدراسات الأدبية: 22
ثالثًا - المنهج الحضاري وآلياته المعرفية: 25
الفصل الأول - الأصول الحضارية للشعر العربي القديم 40
أولاً - الحضارة العربية الإسلامية، المنبع والمجرى: 41
1- الجاهلية، المهوى التاريخي للشعر العربي: 42
2- الجنس العربي، سمات وخصائص: 44
3- العروبة والإسلام: 51
ثانيًا - الفكرة الجوهرية والخصائص الذاتية للحضارة العربية الإسلامية: 54
- الخصيصة الأولى: وحدة المركزية الإلهية 67
1- السلطوية: 71
2- التراتبية: 83
3- المعيارية: 88
- الخصيصة الثانية: الوسطية 95
- الخصّيصة الثالثة: الغائية 114
ثالثًا - نظرية المعرفة في الحضارة العربية الإسلامية: 133
1- طبيعة المعرفة وغايتها: 134
2- أدوات المعرفة: 138
3- ملامح المعرفة العربية الإسلامية(): 141
الفصل الثاني - مفهوم الشعر العربي ووظيفته 161
أولاً - مفهوم الشعر العربي: 162
1- الكلام: 164
2- البيان والبلاغة: 168
3- جذور مفهوم الشعر اللغوية: 172
ثانيًا - الشعر العربي، رحلة الوجود: 175
ثالثًا - مفهوم الوظيفة في الحضارة العربية الإسلامية: 183
- اعتبارات ضرورية في دراسة وظيفة الشعر العربي: 189
رابعًا - وظائف الشعر العربي: 203
1- الوظيفة الوجودية(): 205
2- الوظيفة المعرفية والأخلاقية: 227
3- الوظيفة النفسية/التطهير: 249
4- الوظيفة المادية/التكسب: 257
5- الوظيفة الجمالية/الشكل والمضمون: 268
الفصل الثالث - مطاوعة البناء الشعري للوظيفة 292
1- موسيقى الشعر(الوزن والتقفية): 294
2- الإيجاز: 300
3- الصدق والكذب: 312
4- الحقيقة والخيال: 326
5- الوضوح، الحس والذهن: 336
6- عمود الشعر: 355
الخاتمة: 384
المصادر والمراجع: 391
المقالات والرسائل والمحاضرات غير المنشورة: 403
الإنترنت: 404
فهرس الرسوم: 404